سلسلة علمني المصحف | أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ القرآن؟ | المقالة التاسعة | الشيخ أنس الموسى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم إنَّا نستهديك لأرشد أمرنا وزدنا علمًا ينفعنا وبعد:
أيها الأحبة: المتأمل في كتاب الله عز وجل يرى أن هناك سلكًا ناظماً لجميع المصحف ويعتبر هذا السلك المفتاحَ الأهمَّ لتدبر آيات هذا الكتاب العزيز.
قد يتبادر للذهن أن هذا المفتاح هو معرفة التشريعات العملية وأسرارها، وقد يسبق للذهن أن المفتاح الناظم لآيات المصحف هو في اكتشاف تلك الحقائق العلمية المبثوثة في سوره وآياته.
لا شك ولا ريب أن التشريعات العملية والحقائق العلمية وغيرها كثير جدًا هي من مجالات التدبر ومفاتيحِه، لكن المفتاحَ الأهمَّ والسلكَ الناظم لآيات كتاب الله عز وجل هو معرفة حقائق العلم بالله تعالى.
أيها الأحبة: ما مِن آيةٍ من آيات كتاب الله عز وجل إلاَّ وفي جوفها معارجُ تسري بالقلوب إلى مصرِّف القلوب ومقلِّبها سبحانه وتعالى.
إن تدبر القرآن يحقق العبد بمعرفة ربه ومولاه؛ فيزداد علمُ العبد بربه وتترقَّى بصيرته.
إن القضية المحورية التي تتمحور حولها آياتُ القرآن وسورُه هي عِمارة النفوس بالحي القيوم.
إن كثيرًا من أرباب الفكر يَجهلون إلى حدٍّ كبيرٍ دقائقَ العلم بالله التي عرضها المصحف.
وإن كثيرًا من الكتب الفكرية بل حتى كثير من كتب التفسير أغفلت الأولوية القصوى والسلك الناظم والمفتاح الأهم لكتاب الله تعالى ألا وهو الدلالة على الله.
لقد تاهت كثير من التيارات الفكرية حين أغفلت لفتَ الأنظار لربوبية الحق سبحانه، تاهوا حين تأخروا وأغفلوا الحديث على الثناء على الله تعالى وتعظيمه وتوقيره، تاهوا حين أغفلوا عِمارة النفوس بتمجيد الحي القيوم الباري سبحانه وتعالى، لقد تاهوا حين أغفلوا معاني إياك نعبد وإياك نستعين باعتبارها منهج حياة.
يقول محمد بن عوف: “رأيت أحمد بن أبي الحواري بعد أن صلى العَتَمَة قام يصلي فاستفتح بـ ﴿الحمدُ لله ربِّ العالمين﴾ إلى ﴿إيَّاكَ نعبدُ وإيَّاكَ نستعين﴾ فطِفْتُ الحائطَ كلَّه ثم رجعت فإذا هو لا يجاوزها ثم نِمت ومررت به بالسحر وهو يقرأ ﴿إياك نعبد وإياك نستعين﴾ فلم يزل يردِّدُها إلى الصبح”.
أيها الإخوة: ليس حال ابن أبي الحواري غريبًا فريدًا بل كان هذا حال كثيرين؛ فهذا رجل من السلف الصالح يقول: “إني لأفتتحُ السورةَ فيوقفني بعضُ ما أشهدُ فيها عن الفراغ منها حتى يطلع الفجر”.
أيها الأحبة: ليس السبب في ذكر أخبار الأنبياء وقَصصهم مع أقوامهم – وما أكثرها في المصحف – التسلية؛ بل هي نماذج يريد المصحف أن يوصِل من خلالها رسائلَ تدبُّرية فحواها التفطُّنُ لعبودية الأنبياء وطريقةُ تعاملهم مع ربهم سبحانه؛ فما أكثر ما أخبرنا المصحف بدعوات الأنبياء وتوباتهم واستغفارهم وانقيادهم لربهم، وتوكلهم عليه ويقينهم به، وإخلاصهم له، وتسبيحهم بحمده، وصبرهم على بلائه، وصدقهم…
إن حضور هذه القضايا في قَصَص الأنبياء لتدلنا على علاقة راقية في عبودية الأنبياء وتعظيمهم لربهم، وإن فهم هذه العلاقة الراقية نوع من تدبر القرآن.
إن كل ما ذَكَرَه المصحف سواء في آياته التشريعية أو الكونية إنما نُصِبَ لمعرفة الله عز وجل، ليحوش الخَلقَ لخالقهم، ليعرفوه فيعبدوه حق العبادة.
إن تدبر القرآن هو عملية ذهنية تعني النظر والتوصل إلى ما تحمله الآيات من أهداف ومقاصد، فإذا قرأ المؤمن قصص الأنبياء مثلًا وأحوالهم مع خالقهم، وفي ثناياها دعوتهم لأقوامهم اعتبر واتعظ فالمتدبر يسقط كل ما يقرأه على نفسه وواقعه.
إنه المتجول في ظلال القرآن وفيحاءه الرحبة سيلفِتُ نظرَهُ ويشدُّ قلبه هدفٌ محوري لآياته من مُفتَتَحِهِ إلى مُختَتَمِهِ وهو عمارة النفوس بالله.. بحب الله.. بتعظيم الله.
إن في المصحف يا أحبتي أساليبُ عجيبةٌ في وصل النفوس بخالقها فنجد المصحف يربط بين الضرب في الأرض لتحصيل الرزق والمعاش – الذي هو أكثر ما يُقلق الناس ويَشغل بالهم – وبين ذكر الله تعالى، وأنه ما ينبغي أن يغيب من يبغي الرزق عن ذكر الله ﴿رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ﴾ [النور 37] حتى في طلب الرزق كُن موصولاً بالله.
لقد امتدح ربنا ذلك المجاهد الذي لا يغيب عنه شهود الحق سبحانه وهو في أرض المعركة بين قعقعات الرماح وصليل السيوف كما في الحديث الإلهي: «إِنَّ عَبْدِي كُلَّ عَبْدِيَ الَّذِي يَذْكُرُنِي وَهُوَ مُلاَقٍ قِرْنَهُ» [1].
فهو يذكر الله تعالى حتى عند القتال، عند لقاء عدوه المقارِن المكافئِ له في الشجاعة والحرب.. حتى في هذه الساعة لا يغفل عن ربه؛ فالعبد الحقيقي الذي أخلص العبادة لربه يذكر ربه وهو يستنقذ روحه من براثن عدوه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الأنفال 45].
ذكرتُكَ والخَطَى يَخْطُرُ بيننا وقد نَهَلَت فينا المُثَقَّفَةُ السُّمْرُ
انظروا يا إخوتي إلى حضور القرآن العجيب مع ذكر الله عز وجل في تلك المواجهة بين الحق المتمثل في موسى وهارون عليهما السلام، والباطل المتمثل في فرعون المستبد الذي يُعد من أكبر طواغيت الأرض على مرِّ التاريخ، بل صار مَضرِب المثل لكل طاغوت، فماذا كانت العدة الأساسية لتلك المواجهة؟ إنها ذكر الله تعالى ﴿اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي﴾ [طه 42].
﴿ولا تَنِيَا في ذِكْرِي﴾: أي لا تَضْعُفَا ولا تُبْطِئَا ولا تَفْتُرا عن ذكر الله؛ ليكون الذكر عونًا لكما وقوة وسلطانًا كاسرًا لهذا الطاغوت.
أيها الأحبة: يظن كثير من الناس في واقعنا المعاصر أن الوقوف في وجه طواغيت الأرض عن طريق الإكثار من ذكر الله نوع من الدروشة والبساطة؛ مع أن تدبر قول الله تعالى ﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [الأنفال 17] نوع من الذكر الذي يُسْتَجْلَبُ به النصر.
إن قول الله تعالى: ﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [الأنفال 17] ليعزز تربية التعلُّق بالله سبحانه؛ بنسبة الفضل إليه، مع أن الظاهر يشي بخلاف ذلك؛ فالذي يحمل السيف بيده ويُعمِلُهُ في الرقاب هو فلان، والذي قتل فلانًا من المشركين إنما هو ذلك الشجاع المقدام، لكن كثافة الحضور مع الله تعالى والعلاقة به في المصحف ترشد لخلاف هذا الظاهر ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة 14].
انظروا أيها الإخوة إلى قول الله تعالى وهو يذكر كيفية صلاة المجاهد في أرض المعركة ﴿وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا﴾ [النساء 102].
ثم لا يلبث المجاهد أن ينتهي من صلاته في أرض المعركة حتى يرشده الحق سبحانه إلى الاستمرار في ذكر الله والتعلق به والتوجه إليه والانطراح في أعتابه قائماً وقاعداً فقال له: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ [النساء 103] وأين كان المجاهد قبل هذا الخطاب؟ ألم يكن يصلي في أرض المعركة؟! ومع ذلك عليه أن يستمر في الذكر، على العلاقة أن تتكرر.
إنه السلك الناظم لكتاب الله ومفتاحه الأهم ربط الخلق بالحق على الدوام ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ [طه 14] ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام 162].
انظروا إلى قول الله تعالى أيها الأحبة ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [يونس 107].
إن الله بيده كل شيء فما يمسّك من ضُرٍّ فإنما هو من الله والذي يكشف هذا الضُّر هو الله أيضاً؛ فإذا نزل بك أيها العبد الفقر والمرض فإن من سيعافيك منهما هو من أنزَلَهُمَا فيك فصار المبتدأ والمنتهى من الله وإلى الله فماذا بقي في القلب إذا؟ لم يبق إلا الله ﴿وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الأعراف 168] فهذه المصائب الجالبة للهموم على مختلف ألوانها واًصنافها يريد الله منها أن تكون جسرًا يوقظ في قلوبنا الاستكانة للحي القيوم؛ لنعود فنتعلق به من جديد ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ﴾ [الأعراف 94].
إن مشهد التعلق بالله لا يتوقف عن التكرار في المصحف، إن ربط القلوب بالحي القيوم لا يتوقف عن العرض.
انظروا أيها الأحبة إلى حال هؤلاء النفر الثلاثة من أصحاب رسول الله ﷺ الذين تخلفوا عن شهود غزوة تبوك وقد نزل بهم من الهم والغم ما نزل حتى نزل قول الله تعالى: ﴿وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [التوبة 118]
﴿وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ﴾: فالله هو المَخُوفُ وهو في نفس الوقت الملاذ والملجأ.
أخوتاه هذه هي القلوب التي صنعها المصحف، وهي القلوب التي يُحبّها الله ويريدها أن تخفق باستمرار بهذه المعاني وألاَّ تغفل في السراء والضراء عن الله.
إن المصحف يا أحبتي لا يريد قلوباً تعرف ربها في الضراء فتقبل عليه وتُلِحُّ عليه في الدعاء لتحصيل الحاجات وتفريج الكُربات فإذا تحصلت المرادات والأغراض أَنْسَى حضورُ المطالب مُحضرَها والمتفضِّلَ بها فتنسى القلوب ما نزل بها بالأمس وتنسى من كشف الضر بالأمس كحال هؤلاء الذين ذكرهم المصحف ﴿وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ﴾ [الزمر 8] ﴿وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [يونس 12] ﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا﴾ [الإسراء 67].
القرآن يريد من قلوب المؤمنين أن تبقى متحركةً متعلقةً بربها في السراء والضراء، حالَ الطاعة بل وبعد المعصية لا تفتُر عن ذلك ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر 53].
أيها الأحبة: إذا كانت أعظم الجوائز تُعطى لأعظم الإنجازات فإن أعظم هذه الجوائز يجب أن تُعطى لتلك القلوب التي اجتمعت على الله وافترقت عليه «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ… وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ» [2].
﴿وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي ۞ هَارُونَ أَخِي ۞ اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ۞ وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ۞ كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا ۞ وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا ۞ إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا﴾ [طه 29- 35].
هذا هو السلك الناظم الذي تتمحور عليه آيات هذا المصحف إنه الله.. الحب في الله.. والبغض في الله.. الحياة لله والموت لله.
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الفتح 10] ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾ [الأنفال 17] ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الحجرات 17].
اللهم وفقنا لمحابك وألهمنا مراشد الصواب والهداية.
اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وذهاب أحزاننا وهمومنا، اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا يا رب العالمين آمين آمين.
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] سنن الترمذي (5/ 462) ح (3580).
[2] صحيح البخاري: باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة (1/ 133) ح (660).