سلسلة شعب الإيمان | الإيمان بالقدر وآثاره | المقالة الخامسة عشرة | د. محمد فايز عوض
﷽
- الإيمان بالقدر: هو الركن السادس من أركان الإيمان؛ قال ﷺ : «أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره».
- معنى القدر في اللغة:
القدر: القضاء والحكم، وتدبير الأمر، ومقدار الشيء. - معنى القدر في الاصطلاح:
ما سبق به العلم وجرى به القلم مما هو كائن إلى الأبد، وأن الله تعالى قدر مقادير الخلائق، وما يكون من الأشياء قبل أن تكون في الأزل، وعلِم سبحانه أنها ستقع في أوقات معلومة عنده تعالى، وعلى الصفة التي يريدها سبحانه. - معنى القدر عند المفسرين:
لا يصح إيمان العبد إلا بإيمانه بالقدر خيره وشره، والإيمان بالقدر هو أن يؤمن العبد أن الله عز وجل خلق الأشياء كلها، وقدرها وكتبها قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة،
عن النبي ﷺ قال: «كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة» أخرجه مسلم في “صحيحه” (8 / 51)
- قال بعض العلماء: القدر سر من أسرار الله، لم يُطلع الله عليه أحدًا، لا ملكًا مقربًا، ولا نبيًّا مرسلًا، إلا ما أوحاه الله عز وجل إلى رسله، أو وقع فعلم به الناس؛ قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [لقمان، 34].
والله تعالى أعلم بما الناس عاملون، فهو خالقهم وخالق أعمالهم، وأنعم عليهم بالعقل، وآتاهم من الإرادات والقدرة التي تقع بها أعمالهم، وبعث إليهم الرسل مبشرين ومنذرين، أمرهم ونهاهم، ورهَّبهم ورغَّبهم، وجعل عليهم حفظة كاتبين يكتبون أعمالهم، فيترتب جزاؤهم على عملهم الواقع بإرادتهم وقدرتهم، فمن أحسن فله الثواب، ومن أساء استحق العقاب، ولا يظلم ربك أحدًا.
والأسباب تنفع، إذا لم يعارضها القضاء والقدر، فإذا جاء القضاء والقدر، تلاشى كل سبب، وبطلت كل وسيلة، ظنها الإنسان تنجيه.
- والإيمان بالقدر له أربعة أركان، يجب الإيمان بها جميعًا، وهي:
الأول: الإيمان بعلم الله تعالى.
الثاني: الإيمان بكتابة الله في اللوح المحفوظ لكل ما هو كائن إلى يوم القيامة.
الثالث: الإيمان بمشيئة الله النافذة وقدرته التامة.
الرابع: خلقه تبارك وتعالى لكل موجود، ولا شريك له في خلقه.
- الآثار الإيمانية للإيمان بالقدر:
- الإيمان بالقدر يجعل الإنسان راضيًا مطمئنًّا، فلن يصيبه إلا ما كتب الله له؛ قال تعالى: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [التوبة، 51].
- لا يندم ولا يتحسر على ما فاته من رزقٍ في الدنيا، ولا يفرح ولا يتفاخر بما أعطاه الله عز وجل؛ لأن الله تعالى هو الذي قضى وقدر.
- تعلق القلب بالله عز وجل وحده؛ لأن الله تعالى بيده الضر والنفع.
- الإيمان بالقدر وآثاره على المسلم، ومنها:
1. أنه من أكبر الحوافز للعمل والنشاط والسعي بما يرضي الله في هذه الحياة.
فالمؤمن مأمور بالأخذ بالأسباب مع التوكل على الله تعالى، والإيمان بأن الأسباب لا تُعطي النتائج إلا بإذن الله؛ لأن الله هو الذي خلق الأسباب، وهو الذي خلق النتائج.
قال النبي ﷺ: «احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِالله وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ الله وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ»؛ [رواه مسلم].
وقال ﷺ: «اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ»؛ [رواه البخاري].
2. ومن ثمرات الإيمان بالقدر: أن يَشْكرَ المؤمنُ إذا أنعم الله عليه ولا يَبْطر ويتكبَّر، ويَصْبر إذا ابتلاه الله ببعض مصائب الدنيا ولا يجزع ويتضجَّر؛ كما قال الله تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ۞ لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ [الحديد، 22- 23].
3. ومن ثمرات الإيمان بالقدر: أنه يقضي على رذيلة الحسد.
فالمؤمن لا يَحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله؛ لأن الله هو الذي رزقهم وقدَّر لهم ذلك، والحاسد حين يحسد غيره فإنه بفعله هذا إنما يعترض على قدَر الله وقسمته.
4. ومن تلك الثمرات: أن الإيمان بالقدر يَبعث في القلوب الشجاعة على مواجهة الشدائد، ويُقوي فيها العزائم؛ لأنها توقن أن الآجال والأرزاق مُقدَّرَة؛ وأنه لن يصيب الإنسان إلا ما كُتِبَ له؛ كما قال الله تعالى: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [التوبة: 51].
نسأل الله أن يزيدنا إيمانًا ويقينًا، ويثبتنا على دينه ويُحسن لنا الختام،