سلسلة شعب إيمانية | عشر من علامات حب العبد لربه | المقالة التاسعة عشرة | د. محمد فايز عوض
﷽
نودُّ من خلال هذه الكلمات أن نقفَ على علامات حبِّ العبد لربِّه؛ اختبارًا لأنفسنا: هل محبتنا لله عز وجل مبنية على الأسس الشرعية السليمة، أم هي أقوال باللِّسان تحتاج إلى كثير من الاجتهاد العملي للبرهنة على حقيقة الاتِّصاف بها؟
ذلك أن محبة المحبوب تقتضي الجزاء بالمعية والمصاحبة، فالذي أحبَّ الله ورسوله حقًّا، استحقَّ مُصاحبتهما ومعيَّتهما؛ ودليله ذلك الأعرابي الذي سأل رسول الله ﷺ: «متى الساعة؟ قال له رسول الله ﷺ:ما أعدَدْتَ لها؟، قال: حب الله ورسوله، قال:أنت مع مَنْ أحببت»؛ متفق عليه.
قال يحيى بن أبي كثير رحمه الله: “نظرنا فلم نجد شيئًا يتلذَّذ به المتلذِّذُون أفضل من حبِّ الله تعالى وطلب مرضاته”.
وقال أحد الصالحين: “والله ما طابت الدنيا إلا بمحبته وطاعته، ولا الجنة إلا برؤيته ومشاهدته”.
وقال آخر: “مساكين أهل الدنيا، خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيبَ ما فيها، قيل: وما أطيب ما فيها؟ قال: محبَّة الله، والأنس به، والشوق إلى لقائه، والتنعُّم بذكره وطاعته”.
وكان من دعاء النبي ﷺ: «أسألُكَ حُبَّكَ، وحُبَّ مَنْ يحبُّك، وحُبَّ عملٍ يُقرِّب إلى حُبِّكَ»؛ صحيح سنن الترمذي.
فيا مَنْ يطمح إلى جوار ربِّه يوم القيامة، والظفر بالفوز المبين، دونك هذه العلامات العشر، اختبر نفسك بها، فإن كنت من أهلها، فاحمد الله، وضاعف عملك، وإن كنت مقصِّرًا في الاتِّصاف بها، فشمِّر عن ساعد الجدِّ، واجعل محبَّة الله قصدَكَ، ورضاه مُبتغاك، فذلك الفضل كله، وذلك الفوز كله، وقد قال رجل لطاوُس رحمه الله: أوصني، قال: “أوصيك أن تحبَّ الله حبًّا حتى لا يكون شيء أحبَّ إليك منه”.
يا من إذا قلت يا مولاي لبَّاني يا واحدًا ما له في ملكه ثاني
أعصي وتسترني أنسى وتذكُرني فكيف أنسـاك يا مَنْ لسْتَ تنساني
- العلامة الأولى: محبة رسول الله ﷺ:
فلا يتصور حب لله من دون حب لرسوله ﷺ الذي عرَّفنا بربِّنا، وبلَّغنا رسالته، وبيَّن لنا الطريق إليه؛ قال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [آل عمران: 31]، قال الحسن البصري رحمه الله: “زعم قوم أنهم يحبُّون الله، فابتلاهم الله بهذه الآية”، وقال ابن كثير رحمه الله: “هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادَّعى محبَّة الله، وليس هو على الطريقة المحمدية، فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر، حتى يتبع الشرع المحمدي”.
هل صادق مَنْ يدَّعي حُبَّ ربِّه وأمسى عن اللَّذات غير صبور
ويسلو عن الدنيا وعن كل شهوة وعن كل ما يودي بوصل سرور
- العلامة الثانية: حُبُّ مَنْ يحبُّه الله عز وجل من عباده المصطفين الأخيار:
كحُبِّ الرسول ﷺ، وصحابته، وأولياء الله الصالحين، وليس ذلك حبًّا مع الله؛ بل هو من تمام حب الله؛ لأنه حب لأجل الله، وفي الله؛ قال ابن القيم رحمه الله: “فأصل العبادة محبَّة الله؛ بل إفراده بالمحبَّة، وأن يكون الحبُّ كله لله، فلا يحبُّ معه سواه؛ وإنما يحبُّ لأجله وفيه، كما يحبُّ أنبياءه، ورسله، وملائكته، وأولياءه، فمحبَّتنا لهم من تمام محبَّته، وليست محبَّةً معه”.
فالذي يبغض صحابة رسول الله ﷺ، لا حَظَّ له في محبَّة الله، والذي يُنكِر وجود الملائكة، لا حظَّ له في محبَّة الله، والذي يتَّهم أولياء الله بالجهل، لا حظَّ له في محبَّة الله… وهكذا.
- العلامة الثالثة: الرضا بما يعطي الله وبما يمنع:
فلا تسخُّط، ولا تأفُّف، ولا تأوُّه؛ لأنه أعطاك ليختبرك، ومنعك ليبتليك، وهو تعالى في الأمرين يحبُّك، فقابل تقديره بالقبول، وابتلاءه بالرضا، وقد كان من دعاء النبي ﷺ: «وأسألك الرضاء بعد القضاء»؛ صحيح سنن النسائي.
ومن كلام ابن مسعود رضي الله عنه: “لأن ألحَسَ جمرةً أحرقت ما أحرقت، وأبقت ما أبقت، أحبُّ إليَّ من أن أقول لشيء كان: ليته لم يكن، أو لشيء لم يكن: ليته كان”.
ولقد سأل رجل الفضيل بن عياض رحمه الله، فقال: يا أبا علي، متى يبلغ الرجل غايته من حبِّ الله تعالى؟ فقال له الفضيل: “إذا كان عطاؤه ومنعه إيَّاك عندك سواءً، فقد بلغت الغاية من حبِّه”.
وذكر ابن الجوزي قصة أحد الصالحين، ابتلاه الله ليختبر حبَّه له، فجعله مكفوفًا، مجذومًا، مقعدًا، حتى جعل الزنبور يقع عليه فيقطع لحمه، فقال: “وعزَّتك وجلالك، لو قطعتني إرْبًا إرْبًا، أو صببت عليَّ البلاء صبًّا، ما ازددت إلَّا حبًّا”.
إن الطـــــبيب بطبِّه ودوائه لا يسـتطيع دفاع مقدور القضا
ما للطـــبيب يمـوت بالداء الذي قـد كان يبرئ مثله فيما مضى
ذهب المداوي والمداوى والذي جلب الدواء وباعه ومن اشترى
- العلامة الرابعة: محبة كلام الله تعالى، والانشغال بتلاوته وتدبُّره:
فلا حب لله مع هجر كلامه، ولا حب لله مع عدم التلذُّذ بتلاوته، والتمتُّع بالاستماع إليه، فالقرآن الكريم جنة العابدين، وبُستان الزاهدين، وكنز المتلذِّذين، وبهجة مجالس المجتمعين؛ قال ابن القيم رحمه الله: “وكذلك محبَّة كلام الله، فإنه من علامة حُبِّ الله، وإذا أردْتَ أن تعلم ما عندك وعند غيرك من محبة الله، فانظر محبة القرآن من قلبك، والتذاذك بسماعه أعظم من التذاذ أصحاب الملاهي والغناء المطرب بسماعهم”.
ورحم الله ابن القيم، فقد علم أن من الناس من ينشغل بالغناء والطرب، حتى يُلهيه ذلك عن كتاب الله، فينفق الساعات الطوال للسَّماع، ولا يجد نصف ساعة في اليوم يفتح فيها كتاب الله، يقرؤه، ويتدبَّره، ويقوي إيمانه بالتأمُّل في آياته، حتى إذا قرأ منه بعض آيات، لم يشعُر لها بلذَّة، ولم يستفد منها بومضة، ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [المطففين: 14]، قال ابن جزي رحمه الله: “أي: غطَّى على قلوبهم ما كسبوا من الذنوب، فطمس بصائرهم”.
قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: “لو طهرت قلوبنا، ما شبعت من كلام الله”.
إن كنت تزعم حبِّي فلِمْ هجــــرت كتابي
أما تأملت ما فيـــــــــــ ـــه من لذيذ خطابي
- العلامة الخامسة: القيام بالأعمال الحسنة، والاتِّصاف بالأخلاق الحميدة:
إذ لا يجتمع حب الله والكلام الفاحش، والنبي ﷺ لم يكن فاحشًا ولا مُتفحِّشًا، وكان يقول: «إنَّ خياركم أحاسنُكم أخلاقًا»؛ متفق عليه.
ولا يجتمع حبُّ الله مع الإساءة إلى الجار، والنبي ﷺ يقول: «لا يدخل الجنة مَنْ لا يأمن جاره بوائقه»؛ مسلم.
ولا يجتمع حُبُّ الله مع الكذب، تقول عائشة رضي الله عنها: «ما كان خلق أبغض إلى رسول الله ﷺ من الكذب»؛ صحيح سنن الترمذي،
ويقول ﷺ: «مَنْ قال في مؤمن ما ليس فيه، أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال»؛ صحيح سنن أبي داود؛ وردغة الخبال: هي عصارة أهل النار.
ولا يجتمع حب الله مع أخذ الرشوة، والراشي والمرتشي ملعونان في شريعتنا، ولا يجتمع حبُّ الله مع الغش في العمل، وفي الحديث: «مَنْ غشَّنا فليس منا»؛ مسلم.
ولا يجتمع حُبُّ الله مع التحايُل على الناس في الخصومة، لأكل أموالهم بالباطل، أو سلب حقوقهم ومستحقَّاتهم، فهذا جزاؤه من الله السخط لا الحب؛ يقول الرسول ﷺ: «مَنْ خاصم في باطل وهو يعلمه، لم يزل في سخط الله حتى ينزع عنه»؛ صحيح سنن أبي داود.
ويجمع التحذير من كل ذلك، حديث عبد الرحمن بن أبي قُرَاد رضي الله عنه أن النبي ﷺ توضَّأ يومًا، فجعل أصحابه يتمسَّحون بوضوئه، فقال لهم النبي ﷺ: «ما يحملكم على هذا؟»، قالوا: حب الله ورسوله،
فقال ﷺ: «من سره أن يحب الله ورسوله أو يحبه الله ورسوله فليصدق حديثه إذا حدث ، وليؤد أمانته إذا أؤتمن، وليحسن جوار من جاوره».
يقول الملا علي القاري مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح:
“فإن هذه الأوصاف من أخلاق المؤمنين، وأضدادها من علامات المنافقين، فالمدار على الأفعال الباطنة دون الأحوال الظاهرة، فكأنه ﷺ نبههم على أن جملة همتهم يجب أن تكون على أمثال هذه الأخلاق دون الاكتفاء بظواهر الأمور المشترك فيها المؤمن والمنافق، والمخالف والموافق والله الموفق. وخلاصة معناه ما ذكره الطيبي من قوله: يريد أن ادعاءكم محبة الله، ومحبة رسوله لا يتم، ولا يستتب بمسح الوضوء فقط، بل بالصدق في المقال، وبأداء الأمانة، وبالإحسان إلى الجار”.
- العلامة السادسة: الجمع بين خلوص التوحيد لله تعالى، وعبادته على الوجه الذي يرتضيه:
فالمسلم يلهج بذكر الله في كل حين، ويراقب الله تعالى في كل عمل، ويخاف من تجاوز حدوده في كل معاملة، فشأنه العمل لله، والالتجاء إلى الله، والعيش مع الله، والاستعانة بالله، بحيث تصير تردُّدات أنفاسه، ونبضات قلبه، وحركات جوارحه وقفًا لله تعالى: ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ [الذاريات: 50].
وقد قال النبي ﷺ لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: «يا معاذ، هل تدري ما حق الله على العباد؟، قال: الله ورسوله أعلم، قال: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، هل تدري ما حقُّ العباد على الله إذا فعلوه؟، قال: الله ورسوله أعلم، قال: ألَّا يُعذِّبهم» متَّفق عليه.
ولقد شبَّ بعض الناس على حبِّ الماديات، فساووا حبَّها بحبِّ الله أو أكثر، فصار المالُ قِبْلتهم، والجاهُ وجهتهم، والتفاخُر حياتهم، والاعتناءُ بالذات ديدنَهم، والتجمُّلُ في المظهر هجيراهم، وربما قدموا ذلك على الصلاة فلم يصلُّوا، وإذا صلَّوا، فصلاة كسلان متثاقل، لا صلاة مستوفز مُحبٍّ، ولا عبادة متحفِّز متوثِّب، يخشى عليهم من مثل قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾ [البقرة: 165].
وأبغض إله عُبِد في الأرض هو الهوى، قال تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ [الجاثية: 23].
وأتـرك ما أهـوى لمـا قـد هويتــه *** فأرضى بما ترضى وإن سخطت نفسي
العلامة السابعة: التلذُّذ بمناجاة الله عز وجل، وأفضله قيام الليل ولو بركعتين:
فذلك السبيل لمن أراد العزَّ والشرف،
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: «جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ : “يَا مُحَمَّدُ، عِشْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ، وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَجْزِيٌّ بِهِ، وَأَحْبِبْ مَنْ شِئْتَ فَإِنَّكَ مُفَارِقُهُ، وَاعْلَمْ أَنَّ شَرَفَ الْمُؤْمِنِ قِيَامُ اللَّيْلِ، وَعِزَّهُ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنِ النَّاسِ». أخرجه الحاكم والطبراني
كيف لا وقد أخبرنا الصادق المصدوق ﷺ أنه: «إذا مضى شَطْرُ الليل أو ثُلثاه، ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدُّنيا، فيقول: هل من سائلٍ يُعطى، هل من داعٍ يُستجابُ له، هل من مُستغفرٍ يُغفَر له، حتى ينفجر الصبح»؛ رواه مسلم.
ويقول ﷺ: «إن في الليل لساعةً، لا يُوافقها رجل مسلم يسأل الله خيرًا من أمر الدنيا والآخرة، إلا أعطاه إيَّاه، وذلك كل ليلة»؛ مسلم.
فالمسلم المحبُّ لربِّه، يغتنم هدوء الليل، وصفاء النفس بانقطاع العوائق، وانصرام العلائق، فيأنس بربِّه، ويتنعَّم بمناجاته، ويتلذَّذ بالشوق إليه، وإدامة دعائه.
وقد قيل لإبراهيم بن أدهم وقد نزل من الجبل: من أين أقبلت؟ فقال: “من الأنس بالله”، ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ [السجدة: 16].
وقد سئل الحسن البصري رحمه الله: ما بال المتهجِّدين بالليل من أحسن الناس وجوهًا؟ فقال: “لأنهم خلوا بالرحمن، فألبسهم من نوره”.
وقال له شاب: أعياني قيام الليل، فقال له: “قيَّدتك خطاياك”،
فقارن بين هؤلاء ومن شغل سواد ليله في لعب الورق، أو تقليب القنوات الفضائية، أو السهر مع المباريات، والأفلام، وتتبُّع الأخبار السوقية، وربما زاغ بصره فوقع على الصور الخليعة، والمسلسلات الوضيعة، والنكات السمجة الممجوجة، ويزعم مع ذلك أنه يحبُّ الله، لركعات يملأ بها فراغه، وصيام في رمضان اعتاده، ودريهمات جعلها صدقته.
قال مالك بن ضيغم: “لو يعلم الخلائق ما يستقبلون غدًا، ما لذُّوا بعيش أبدًا”.
قال إبراهيم التيمي رحمه الله: “شيئان قطعا عنِّي لذَّة الدنيا: ذكر الموت، وذكر الموقف بين يدي الله تعالى”.
- العلامة الثامنة: التلذُّذ بفعل الطاعة، واعتقاد أنها خير تسرع إليه، وفضل ترتاح لفعله:
كما قال النبي ﷺ: «وجعلت قرة عيني في الصلاة»؛ صحيح سنن النسائي.
وكان يقول ﷺ: «يا بلال، أقم الصلاة أرحنا بها»؛ صحيح سنن أبي داود، وكذلك سائر العبادات من صيام، وصدقة، وقراءة للقرآن، وسير في حوائج الناس.
ومن الناس مَنْ ينتظر الصلاة بعد الصلاة، تلذُّذًا بالمكوث في بيت الله، داعيًا، مُصلِّيًا، باكيًا؛ قال ﷺ: «ألا أدلُّكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخُطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط»؛ مسلم، والرباط: حبس النفس على هذه الطاعة.
وكان عطاء السليمي رحمه الله إذا فرغ من وضوئه، انتفض، وارتعد، وبكى بكاءً شديدًا، فيُقال له في ذلك، فيقول: “إني أريد أن أُقدِمَ على أمرٍ عظيمٍ، أريد أن أقوم بين يدي الله عز وجل “.
- العلامة التاسعة: الإحساس بالحسرة والأسى عند فوات الطاعة أو تركها:
فإن فات المحب لربِّه الاستيقاظ إلى صلاة الصبح، رأيته حزينًا كئيبًا، متألم القلب، كاسِفَ البال، قد فاته خيرٌ عظيمٌ، أعظم من فوات صفقة تجارية رابحة، أو سفر لقضاء حاجة ملحَّة.
فهذا حاتم الأصم، فاتته صلاة العصر في جماعة، فصلَّاها في البيت، فجلس يبكي؛ لأن صلاة الجماعة قد فاتته.
وعن نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا فاتته العشاء في جماعة، أحيا بقية ليلته.
وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فاتته صلاة العصر مع جماعة، فتصدَّق بأرض قيمتها مائة ألف درهم. - العلامة العاشرة: الغيرة على محارم الله إذا انتهكت، وحزن القلب لشعائر الله إذا هجرت، وقلق النفس للمنكرات إذا تفشَّت، وضيق الصدر لحدود الله إذا تعديت:
لأن المؤمن يحبُّ للناس ما يحبُّ لنفسه، ولا يرضى لهم ما لا يرتضيه لنفسه.
كل محبوب سوى الله سرف وهمـــــــوم وغموم وأســـــف
كل محبـــوب فمنـــه خلـــف مـــا خلا الرحمن ما منه خلف
إن للحـــــــــــــب دلالات إذا ظهرت من صاحب الحب عرف
دائم التذكـــــير من حب الذي حبه غاية غايات الشـــــــــرف