سلسلة إشراقات إيمانية في شهر الصيام | المقالة الثالثة والعشرون | د. محمد فايز عوض
﷽
زَكَاةُ الْفِطْرِ
التَّعْرِيفُ:
مِنْ مَعَانِي الزَّكَاةِ فِي اللُّغَةِ: النَّمَاءُ، وَالزِّيَادَةُ، وَالصَّلاحُ، وَصَفْوَةُ الشَّيْءِ، وَمَا أَخْرَجْتَهُ مِنْ مَالِكِ لِتُطَهِّرَهُ بِهِ.
وَزَكَاةُ الْفِطْرِ فِي الاصْطِلاحِ: صَدَقَةٌ تَجِبُ بِالْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ.
حِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّتِهَا:
-
- أنَّها طُهرةٌ للصَّائِمِ مِنَ اللَّغوِ والرَّفث.
- أنَّها طُعمةٌ للمساكينِ؛ ليستغنوا بها عن السُّؤالِ يومَ العِيدِ، ويشتركوا مع الأغنياءِ في فرحةِ العيد.
وهاتان الحِكمتان: نُصَّ عليهما في حديثِ ابنِ عبَّاس رَضِيَ اللهُ عنهما قال: «فرَضَ رسولُ الله ﷺ زكاةَ الفِطر؛ طُهْرةً للصَّائِمِ مِنَ اللَّغوِ والرَّفَثِ، وطُعمةً للمَساكينِ، مَن أدَّاها قبل الصَّلاةِ فهي زكاةٌ مَقبولةٌ، ومَن أدَّاها بعد الصَّلاةِ فهي صدقةٌ مِنَ الصَّدقاتِ». - أنَّها زكاةٌ للبَدَنِ؛ حيث أبقاه اللهُ تعالى عامًا مِنَ الأعوامِ، وأنعَمَ عليه بالبَقاءِ؛ ولأجْل ذلك وجبَت للصَّغيرِ الذي لا صَومَ عليه، والمجنونِ، ومَن عليه قضاءٌ قبل قضائِه
- أنَّها مِن شُكرِ نِعَمِ الله على الصَّائمينَ بالصِّيامِ، كما أنَّ مِن حِكَمِ الهدايا شُكرُ نِعمةِ اللهِ بالتَّوفيقِ لحجِّ بيتِه الحرامِ، فصَدَقةُ الفِطرِ كذلك؛ ولذلك أُضيفَتْ إلى الفِطرِ إضافةَ الأشياءِ إلى أسبابِها.
- حصولُ الثَّوابِ والأجْرِ العظيمِ بِدَفعِها لِمُستحقِّيها في وَقتِها المحدَّدِ؛ لِمَا جاء في حديثِ ابن عبَّاس فمَن أدَّاها قبل الصَّلاةِ؛ فهي زكاةٌ مقبولةٌ، ومَن أدَّاها بعد الصَّلاةِ؛ فهي صدقةٌ مِنَ الصَّدَقاتِ.
- أنَّ بها تمامَ السُّرورِ للمُسلمين يومَ العِيدِ، وتَرفَعُ خَلَل الصَّومِ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ. وَهُوَ أَمْرٌ، وَالأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ.
شَرَائِطُ وُجُوبِ أَدَاءِ زَكَاةِ الْفِطْرِ:
يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ أَدَائِهَا مَا يَلِي:
أَوَّلا: الإِسْلامُ.
ثَانِيًا: الْحُرِّيَّةُ.
ثَالِثًا: أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى إِخْرَاجِ زَكَاةِ الْفِطْرِ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَعْنَى الْقُدْرَةِ عَلَى إِخْرَاجِهَا:
1- فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ مِلْكِ النِّصَابِ فِي وُجُوبِ زَكَاةِ الْفِطْرِ.
2- وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَعْنَى الْقُدْرَةِ عَلَى إِخْرَاجِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِلنِّصَابِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ أَيِّ مَالٍ كَانَ.
مَنْ تُؤَدَّى عَنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ:
1- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ يَجِبُ أَنْ يُؤَدِّيَهَا عَنْ نَفْسِهِ مَنْ يَمْلِكُ نِصَابًا، وَعَنْ كُلِّ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، وَيَلِي عَلَيْهِ وِلايَةً كَامِلَةً. وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ بِنَاءً عَلَى قَاعِدَتِهِمُ الْمَذْكُورَةِ: لا تَجِبُ عَنْ زَوْجَتِهِ لِقُصُورِ الْوِلايَةِ وَالنَّفَقَةِ.
2- وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ يُخْرِجُهَا الشَّخْصُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ كُلِّ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ.
3- وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ يُخْرِجُهَا الشَّخْصُ عَنْ نَفْسِهِ، وَعَنْ كُلِّ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، لِقَرَابَةٍ، أَوْ زَوْجِيَّةٍ، أَوْ مِلْكٍ.
4- وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ إِخْرَاجُ الصَّدَقَةِ عَنْ نَفْسِهِ، وَعَنْ كُلِّ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
سَبَبُ الْوُجُوبِ وَوَقْتُهُ :
1- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ وَقْتَ وُجُوبِ زَكَاةِ الْفِطْرِ طُلُوعُ فَجْرِ يَوْمِ الْعِيدِ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ مُصَحَّحَيْنِ لِلْمَالِكِيَّةِ.
2- وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَظْهَرِ وَالْحَنَابِلَةُ، إِلَى أَنَّ الْوُجُوبَ هُوَ بِغُرُوبِ شَمْسِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ لِلْمَالِكِيَّةِ.
وَيَظْهَرُ أَثَرُ الْخِلافِ فِي:
1- مَنْ مَاتَ بَعْدَ غُرُوبِ شَمْسِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ:
فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ تُخْرَجُ عَنْهُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ؛ لأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ وُجُوبِهَا، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ لا تُخْرَجُ عَنْهُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا.
2- وَمَنْ وُلِدَ بَعْدَ غُرُوبِ شَمْسِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ:
تُخْرَجُ عَنْهُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ؛ لأَنَّهُ وَقْتَ وُجُوبِهَا كَانَ مَوْجُودًا، وَلا تُخْرَجُ عَنْهُ الصَّدَقَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ؛ لأَنَّهُ كَانَ جَنِينًا فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَقْتَ وُجُوبِهَا.
3- وَمَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ:
لا تُخْرَجُ عَنْهُ الصَّدَقَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ ؛ لأَنَّهُ وَقْتَ وُجُوبِهَا لَمْ يَكُنْ أَهْلا ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ تُخْرَجُ عَنْهُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ ؛ لأَنَّهُ وَقْتَ وُجُوبِهَا كَانَ أَهْلا
وَقْتَ وُجُوبِ زَكَاةِ الْفِطْرِ | ||
الْحَنَفِيَّةُ وأَحَدُ قَوْلَيْ المَالِكِيَّةِ | الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وأَحَدُ قَوْلَيْ المَالِكِيَّةِ | |
الوقت الموجب: | طُلُوعُ فَجْرِ يَوْمِ الْعِيدِ | غُرُوبِ شَمْسِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ |
مَنْ مَاتَ بَعْدَ غُرُوبِ شَمْسِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ: | لا يجب إخراجها عنه | يجب إخراجها عنه |
وُلِدَ بَعْدَ غُرُوبِ شَمْسِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ: | تُخْرَجُ عَنْهُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ | لا تُخْرَجُ عَنْهُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ |
أسلم بَعْدَ غُرُوبِ شَمْسِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ: | تُخْرَجُ عَنْهُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ | لا تُخْرَجُ عَنْهُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ |
وَقْتُ وُجُوبِ الأَدَاءِ:
1. ذَهَبَ جُمْهُورُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ وَقْتَ وُجُوبِ أَدَاءِ زَكَاةِ الْفِطْرِ مُوَسَّعٌ، لأَنَّ الأَمْرَ بِأَدَائِهَا غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِوَقْتٍ، كَالزَّكَاةِ، فَهِيَ تَجِبُ فِي مُطْلَقِ الْوَقْتِ وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ بِتَعَيُّنِهِ، فَفِي أَيِّ وَقْتٍ أَدَّى كَانَ مُؤَدِّيًا لا قَاضِيًا، غَيْرَ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ إِخْرَاجُهَا قَبْلَ الذَّهَابِ إِلَى الْمُصَلَّى، لِقَوْلِهِ ﷺ: «اغْنُوهُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ ».
2. وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ والْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ وَقْتَ وُجُوبِ الأَدَاءِ مُضَيَّقٌ كَالأُضْحِيَّةِ، فَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ يَوْمِ الْعِيدِ بِدُونِ عُذْرٍ كَانَ آثِمً.
وَاتَّفَقَ جَمِيعُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهَا لا تَسْقُطُ بِخُرُوجِ وَقْتِهَا؛ لأَنَّهَا وَجَبَتْ فِي ذِمَّتِهِ لِمَنْ هِيَ لَهُ، وَهُمْ مُسْتَحِقُّوهَا، فَهِيَ دَيْنٌ لَهُمْ لا يَسْقُطُ إِلا بِالأَدَاءِ؛ لأَنَّهَا حَقٌّ لِلْعَبْدِ، أَمَّا حَقُّ اللَّهِ فِي التَّأْخِيرِ عَنْ وَقْتِهَا فَلا يُجْبَرُ إِلا بِالاسْتِغْفَارِ وَالنَّدَامَةِ.
إِخْرَاجُهَا قَبْلَ وَقْتِهَا:
1. ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَنْ وَقْتِهَا يَوْمَيْنِ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا: «كَانُوا يُعْطُونَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ قَبْلَ الْعِيدِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ»
2. وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُسَنُّ إِخْرَاجُهَا قَبْلَ صَلاةِ الْعِيدِ وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا عَنِ الصَّلاةِ، وَمُحَرَّمٌ تَأْخِيرُهَا عَنْ يَوْمِ الْعِيدِ بِلا عُذْرٍ ؛ لِفَوَاتِ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ، وَهُوَ إِغْنَاءُ الْفُقَرَاءِ عَنِ الطَّلَبِ فِي يَوْمِ السُّرُورِ، فَلَوْ أَخَّرَهَا بِلا عُذْرٍ عَصَى وَقَضَى.
مِقْدَارُ الْوَاجِبِ:
* فذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، إِلَى أَنَّ الْوَاجِبَ إِخْرَاجُهُ فِي الْقَمْحِ هُوَ صَاعٌ مِنْهُ.
* وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْوَاجِبَ إِخْرَاجُهُ مِنَ الْقَمْحِ نِصْفُ صَاعٍ. [1]
نَوْعُ الْوَاجِبِ :
1. ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُجْزِئُ إِخْرَاجُ زَكَاةِ الْفِطْرِ الْقِيمَةُ مِنَ النُّقُودِ وَهُوَ الأَفْضَلُ، أَوِ الْعُرُوضِ، لَكِنْ إِنْ أَخْرَجَ مِنَ الْبُرِّ أَوْ دَقِيقِهِ أَوْ سَوِيقِهِ أَجْزَأَهُ نِصْفُ صَاعٍ ، وَإِنْ أَخْرَجَ مِنَ غيره فَصَاعٌ.
2. وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُخْرِجُ مِنْ جِنْسِ مَا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ، وَلَوْ وُجِدَتْ أَقْوَاتٌ فَالْوَاجِبُ غَالِبُ قُوتِ بَلَدِهِ، وَقِيلَ: مِنْ غَالِبِ قُوتِهِ.
3. وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُخْرِجُ مِنَ الْبُرِّ أَوَ التَّمْرِ أَوِ الزَّبِيبِ أَوِ الشَّعِيرِ، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ السَّابِقِ وَفِيهِ: «كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ…»
مَصَارِفُ زَكَاةِ الْفِطْرِ :
1.ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى جَوَازِ قِسْمَتِهَا عَلَى الأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ الَّتِي تُصْرَفُ فِيهَا زَكَاةُ الْمَالِ.
2. وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ إِلَى تَخْصِيصِ صَرْفِهَا بِالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ.
3. وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى وُجُوبِ قِسْمَتِهَا عَلَى الأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ، أَوْ مَنْ وُجِدَ مِنْهُمْ.
أَدَاءُ الْقِيمَةِ:
* ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لا يَجُوزُ دَفْعُ الْقِيمَةِ.
* وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ دَفْعُ الْقِيمَةِ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ، بَلْ هُوَ أَوْلَى لِيَتَيَسَّرَ لِلْفَقِيرِ أَنْ يَشْتَرِيَ أَيَّ شَيْءٍ يُرِيدُهُ فِي يَوْمِ الْعِيدِ؛ لأَنَّهُ قَدْ لا يَكُونُ مُحْتَاجًا إِلَى الْحُبُوبِ بَلْ هُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى مَلابِسَ، أَوْ لَحْمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِعْطَاؤُهُ الْحُبُوبَ، يَضْطَرُّهُ إِلَى أَنْ يَطُوفَ بِالشَّوَارِعِ لِيَجِدَ مَنْ يَشْتَرِي مِنْهُ الْحُبُوبَ، وَقَدْ يَبِيعُهَا بِثَمَنٍ بَخْسٍ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا الْحَقِيقِيَّةِ، هَذَا كُلُّهُ فِي حَالَةِ الْيُسْرِ، وَوُجُودِ الْحُبُوبِ بِكَثْرَةٍ فِي الأَسْوَاقِ، أَمَّا فِي حَالَةِ الشِّدَّةِ وَقِلَّةِ الْحُبُوبِ فِي الأَسْوَاقِ، فَدَفْعُ الْعَيْنِ أَوْلَى مِنَ الْقِيمَةِ مُرَاعَاةً لِمَصْلَحَةِ الْفَقِيرِ.
مَكَانُ دَفْعِ زَكَاةِ الْفِطْرِ:
تُفَرَّقُ زَكَاةُ الْفِطْرِ فِي الْبَلَدِ الَّذِي وَجَبَتْ عَلَى الْمُكَلَّفِ فِيهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مَالُهُ فِيهِ أَمْ لَمْ يَكُنْ؛ لأَنَّ الَّذِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ هُوَ سَبَبُ وُجُوبِهَا، فَتُفَرَّقُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي سَبَبُهَا فِيهِ.
نَقْلُ زَكَاةِ الْفِطْرِ:
1. إِذَا فَاضَتِ الزَّكَاةُ فِي بَلَدٍ عَنْ حَاجَةِ أَهْلِهَا جَازَ نَقْلُهَا اتِّفَاقًا، بَلْ يَجِبُ، وَأَمَّا مَعَ الْحَاجَةِ فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ يُكْرَهُ تَنْزِيهًا نَقْلُ الزَّكَاةِ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ، وَإِنَّمَا تُفَرَّقُ صَدَقَةُ كُلِّ أَهْلِ بَلَدٍ فِيهِمْ،
وَاسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ أَنْ يَنْقُلَهَا الْمُزَكِّي إِلَى قَرَابَتِهِ، لِمَا فِي إيصَالِ الزَّكَاةِ إِلَيْهِمْ مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ. قَالُوا: وَيُقَدَّمُ الأَقْرَبُ فَالأَقْرَبُ.
وَاسْتَثْنَوْا أَيْضًا أَنْ يَنْقُلَهَا إِلَى قَوْمٍ هُمْ أَحْوَجُ إِلَيْهَا مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ، وَكَذَا لأَصْلَحَ، أَوْ أَوْرَعَ، أَوْ أَنْفَعَ لِلْمُسْلِمِينَ، أَوْ إِلَى طَالِبِ عِلْمٍ.
2. وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأَظْهَرِ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لا يَجُوزُ نَقْلُ الزَّكَاةِ إِلَى مَا يَزِيدُ عَنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ،
وَاسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ أَنْ يُوجَدَ مَنْ هُوَ أَحْوَجُ مِمَّنْ هُوَ فِي الْبَلَدِ، فَيَجِبُ حِينَئِذٍ النَّقْلُ مِنْهَا وَلَوْ نُقِلَ أَكْثَرُهَا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] يقدر الصاع بحوالي 2,035 كيلو جرام تقريباً وذلك عند جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة،
أما الحنفية فقد قدروا الصاع بحوالي 3.25 كيلو جرام.